EARTH LIGHT

ارحب بكل الزوار والمستخدمين وارجو من الجميع التسجيل والمشاركه المدير العام (محمدحامد)

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

EARTH LIGHT

ارحب بكل الزوار والمستخدمين وارجو من الجميع التسجيل والمشاركه المدير العام (محمدحامد)

EARTH LIGHT

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ارحب بكل زوار المنتدى وأدعوكم للمشاركه معى لبناء ذالك المنتدى ومن يريد اى تعديل او وضع شىء او تغيير شىء يترك موضوعه بقسم المقترحات والشكاوى وشكرااااااااااااااا
طلب عاجل :هناك عدة اقسام بالمنتدى تحتاج لاشراف من اراد ان يكون مشرفا على اى قسم منها فليترك موضوع فى قسم المقترحات والشكاوى وشكرااااااا

    المهدي المنتظر بين الروايات التاريخية والأحاديث النبوية الصحيحة

    avatar
    محمدالقاضى


    عدد المساهمات : 42
    نقاط : 151
    تاريخ التسجيل : 17/05/2010
    العمر : 32

    M1 المهدي المنتظر بين الروايات التاريخية والأحاديث النبوية الصحيحة

    مُساهمة من طرف محمدالقاضى الأحد مايو 30, 2010 7:09 am

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فهذه المقالة في نقد بعض الراويات التاريخية وغربلتها وإماطة اللثام عن انحرافاتها العقدية ونقضها؛ ذلك أن نقد هذه الراويات التي تزين المصادر التاريخية بالأباطيل والأفكار التي تمس جوهر العقيدة، ضروري كضرورة النار لتصفية الذهب، وكضرورة الجراحة لعلاج المريض.. ضرورة مراجعة المصادر التاريخية أضحى في الآونة الأخيرة آكد وأشد خاصة والزمن زمن الفتن! زمن سيطرة المعلومة وسرعة انتشارها! زمن يغلف الباطل بأنواع عدة من الدعم فيصبح حقا! زمن تفوق المادة على حساب الروح.. مع هذا لا ينبغي البتة الاستسلام لليأس أمام بهرجة الباطل اليوم! فإن العمل الجاد و مواصلة السير –بعد توفيق الله تعالى– كفيل بالتوصل إلى نتائج مرضية..!



    دواعي كتابة الموضوع:

    لم أكن بدعًا في اختياري لهذا الموضوع، لكن تجدده في الطرح والتناول في العالم العربي الإسلامي بله العالم الغربي بين النظرية والتطبيق.. مع ما تفيض به المصنفات التاريخية المغربية بطرف عقائدي مشبوه!.. ومع أن السنة في الغرب الإسلامي[1] راسخة رسوخ الجبال منذ القدم... فإن بعض عقائد وطقوس الشيعة (طقوس يوم عاشوراء، تشويه الاعتقاد بالمهدي المنتظر..) لتوالي دولهم ردحا من الزمن على منطقة الغرب الإسلامي (الدولة العبيدية (الفاطمية)، دولة الموحدين.. إلخ) صار في زعم بعض دارسي التاريخ من صميم المظاهر الدينية التي عرفوا بها، حتى ملئت مصنفاتهم بذكرها، وخطتها أقلام المفكرين والمثقفين في دواوينهم يسطرونها بمدادهم ويلوكونها بألسنتهم.. إذ يقول أحد شيوخ الزاوية التيجانية الصوفية بالمغرب -وهو في هذا لا يختلف كثيرًا عن العقيدة الشيعية-: "المهدي المنتظر حي يرزق في المغرب، ولدته بدوية بربرية، لكنه لم يتلق بعدُ الإذنَ بالإعلان عن نفسه"[2]!

    كما أذيع في أحد البرامج التلفزيونية التي تفسر الرؤى: أن سائلة رأت أنها ترضع طفلا في القمر، فلما سألت الشيخ عن هذا، استحلفها على ذلك فحلفت، ثم بكى الشيخ، فلما سئل عن سبب بكائه قال: "إن المهدي المنتظر قد ولد في هذه الليلة!" لكن العلماء الأجلاء سرعان ما كذبوا تفسير هذا الحلم -ليس الرؤيا- بأدلة نبوية شرعية ألجمت أفواه المضللين!

    ومن المضحكات المبكيات؛ اعتقاد "أحمدي نجاد" الرئيس الإيراني الحالي أنه، وبكل سياساته ووجوده أصلا، ليس إلا تمهيدًا لظهور المهدي، وأن هالة من النور كانت تحيط به في أثناء إلقاء خطابه في الأمم المتحدة..[3]!، كما نستحضر جميعًا ذهنية الضفة الغربية التي يدعي فيها "جورج بوش" بأنه المنقذ المنتظر، ويخبر في مكالماته الغريبة جاك شيراك -الرئيس الفرنسي السابق- عن اقتراب ظهور يأجوج ومأجوج!

    وهنا صار كثير من الأسئلة والمسائل مطروحة للنقاش اليوم، ومنها قضية المهدي المنتظر.. ولا أغرب مما قرأت في بعض المجلات المغربية؛ مِن زعم شخص أنه المهدي المنتظر في مدينة قلعة السراغنة (مدينة وسط المغرب) حيث كان يرعب الناس ويضربهم، حتى قبضت عليه السلطات المغربية، فكفانا الله شره!

    كما استغربت لمن ادّعى أن المهدي المنتظر سيظهر في سنة 2016م[4].



    كما يَكثُر اليوم الحديث بخلط ممجوج بين المهدي المنتظر والمجددين انطلاقا من الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم والطبراني بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله عز وجل يبعث لهذه الأُمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها)، واستنادًا على الفهم الخاطئ لمثل هذا النص النبوي، وقلة العلم، وترأس الجهال في الفتوى، وحب الرياسة والحظوة أصبح كل حزب وكل جماعة تعد شيخها ومؤسسها هو المهدي المنتظر والمجدد الموعود، حتى أُصيبت الأُمة بتخمة المجددين والمهديين..!!![5].



    وفي المقابل هناك موقف آخر يحرف الكلم عن مواضعه، وممن يمثل هذا التيار الدكتور المغربي المسمى محمد عمراني حنشي الذي ألف كتابه "المهدي اللامنتظر لا عند اليهود ولا عند الشيعة ولا عند السنة ولا عند البرتغال"؛ ليثبت -حسب زعمه استنادًا إلى مغالطات سياسية وعقائدية-أن المهدوية أسطورة غارقة في الموروث الوثني! تعود إلى ديانة "زرادشت" في التراث الإيراني، ويضيف "أسطورة أو خرافة المهدي المنتظر لا تثير الدهشة؛ لأنها أمر طبيعي ومتوقع في العديد من المنعطفات التاريخية، وخاصة المنعطفات المرتبطة بالتأزم واليأس..!".

    ومن النقط الأخرى الأساسية التي وجهتني لكتابة هذه المقالة المتواضعة: التفكير في الاستعداد لقيام الساعة دون الاقتصار فقط على الدنيا وملذاتها؛ يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: متى الساعة؟ فقال: "ماذا أعددت لها" [رواه البخاري 3688]، أضف إلى ذلك إثبات أن خبر المهدي المنتظر من دلائل النبوة البعيدة عن التأويلات والتحريفات والتخريفات..



    باب مهم للولوج:

    بادئ بدء أشير في ضوء دراستي لهذا الموضوع الشائك؛ أنه إن كانت هناك فجوات أو ثغرات تحدث في حياة الأمم وفي حياة المجتمعات، وهي تحدث ولا شك في حياة كل أمة.. وإن لم يسجل تاريخها تسجيلا أمينا مفصلا موثوقا، فذلك بالفعل من طبيعة البشر؛ إن هو زاغ عن المنهج القويم منهج الحق الذي ارتضاه الله لعباده الله الصالحين..؛ لأن الإنسان كما قال أبو الحسن الندوي رحمه الله: "صاحب شعور، وصاحب عقلية، وصاحب تجارب، وصاحب أهواء وميول وشهوات، وصاحب غايات وأهداف، يواجه معارضات وصراعًا نفسيًّا، وفي بعض الأوقات صراعًا سياسيًّا وصراعًا اجتماعيًّا..، فإنه لا بد أن تحدث في كل مجتمع مهما بلغ من العلم الديني، والصلاح العلمي، ومن الفضيلة الخلقية مكانا ساميا -والفترة النبوية خير شاهد على ذلك- من هنا لملء تلك الثغرات لا بد من الاستنجاد بالعقيدة السليمة وحكمةِ حاملِيهِ وشارحيه"[6].



    وإذا تتبعنا فكرة المهدوية[7] في تاريخ الغرب الإسلامي في العصر الوسيط، وجدنا أنها كانت الطور النهائي والمرحلة الأخيرة، والتمهيد لـ"الانقلاب" السري ضد السلطة القائمة.. بعبارة أخرى: "المهدوية" -حسب المصادر التاريخية وليس المصادر الشرعية- العملاق المستعد ليخرج من قمقمه ليمحو أثر الظلم الذي يمارسه النظام القائم ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورًا!! من هنا نزلت على بني جنس العصر الوسيط المغربي قبعات متعددة من ألوان المهدوية يلبسها كل من يرفض أن يرى الإسلام -عقيدة وشريعة- عرضة للإهانة من قبل مؤسسات الدولة ويسعى أن ينتشل المجتمع من الغرق المحقق.. وأن المهدي المنتظر المغربي يتحين أي فرصة تكون فيها الأزمة السياسية خانقة متفلتة من الضوابط وخارقة للقوانين..!!



    وتأسيسا لإشكالية الموضوع -الذي لا أقلل من قدره في هذا العصر كما ذكرت ذلك آنفا- لا بد من طرح الأسئلة التالية: هل المهدي يدخل في خانة المعتقدات الشرعية المسلم بها؟

    أم هو صنيع الفرق الكلامية السياسية؟ أم المهدي المنتظر خاص بكل وطن من الأوطان ويظهر على إثر كل مرحلة عصيبة؟



    أم هو إرث العقيدة الشيعية والصوفية خاصة وأنهما يسيران في خط متطابق والأقرب إلى الاندماج؟

    أم هو بطل من أبطال التاريخ؛ الذي يقف حجر عثرة وعقبة كأداء أمام استمرار نفوذ الدولة القائمة وإحداث مجموعة من القلاقل والاضطرابات السياسية التي تؤدي في نهاية الأمر إلى انهيارها (كما فعل المهدي بن تومرت مع الدولة المرابطية)؟

    أم هو من وحي أصحاب الفرق المذهبية التي تأثرت بمعتقدات أخرى؟

    وهل كل منطقة جغرافية لها مهديها المنتظر تبعًا للظروف السياسية والدينية التي تعيشها في تلك الظرفية التاريخية؟!

    ثم هل المهدوية أسطورة مبتكرة من طرف المؤرخين لإضفاء الشرعية على السلطة القائمة مع حيفها وتجبرها؟

    أم هي عقيدة صهيونية نصرانية (جعلت الرئيس الأمريكي يؤيد الكيان الصهيوني الغاصب بدعوى حرب وخدعة هرمجدون)؟

    أم هذا -بلا شك- جهل بتعاليم الإسلام الصافية البعيدة عن كل أشكال (الأدلجة)، وعدم التمكن من فهم مناطات الأدلة الشرعية التي تناولت الإيمان بالمهدي المنتظر -بصفاته التي أخبر عنها النبي الكريم- تصديقا وعقيدة صافية بعيدة عن كل غبش ولبس؟!



    صحيح أن معالجة كل هذه القضايا والإشكالات مهمة، ولكن طرقها بكل تفاصيلها يحتاج إلى مجلد ضخم.. خاصة بعد ما سيطر على ألباب غالبية مدرسي التاريخ الإسلامي عمومًا وتاريخ الغرب الإسلامي خصوصًا أن المهدي المنتظر عقيدة شيعية تارة، وأسطورة خيالية تارة أخرى، بل الأدهى والأمر أن الحرب الخليجية الثالثة دفعت بالبعض إلى إلصاق الإيمان بالمهدي المنتظر بالثقافة الصهيونصرانية!

    وبهذا الاعتبار لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.. وقبل الدخول في تفاصيل المصنفات التاريخية ومظانها، ومع انتشار ثقافة "الساندويتش" عند البعض (المختصرات)، وحتى لا يستمر ذلك الدجل والتخرص بين إخواننا؛ يكون من الأولى التطرق للرؤية الشيعية الرافضية ثم الشرعية السليمة على الهدي النبوي الصافي منذ بداية الموضوع، ومن ثم التطرق لسيرورتها التاريخية في بلدان الغرب الإسلامي التي تقلبت بين التوجهات التي ذكرتها آنفا (شيعية، أسطورية ميثولوجية، صهيونية نصرانية...) لأختم الموضوع بردود علمية لبعض العلماء الأجلاء .



    التعريف اللغوي لاسم المهدي:

    يشتق اسم المهدي من فعل هدى؛ أي بيّن طريق الهدى وعرّفه وأرشد إليه؛ ومنه اشتق اسم الهادي الذي هو من أسماء الله الحسنى.

    وخلافه ضل، أي تاه وأخطأ وزاغ عن الصراط المستقيم.

    ويدل المصدر هدى على الطاعة والورع وبذلك يدل اسم المفعول مهدي على الذي قد هداه الله إلى الحق[8]، وهو من الهداية. وسمي بذلك لأنه يهدي الناس هداية إرشاد إلى الحق..



    المهدي المنتظر عند الشيعة:

    ظاهرة خرافية: أما المهدي المجمع عليه عند الشيعة الاثنا عشرية، فهم يعتقدون أنه محمد بن الحسن العسكري الذي غاب في سرداب "سامراء" وعمره خمس سنوات سنة (260هـ)، وهم ينتظرون خروجه إلى هذا اليوم، ليظهر القتل في أهل السنة فيكون قتلاً ذريعاً لا مثيل له، ويهدم البيت الحرام والمسجد النبوي، وينبش قبري أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويصلبهما ويحرقهما، وأنه يحكم بشريعة داود عليه السلام، وهذا من الأدلة على جذورهم اليهودية -الذين هم ليسوا على دين داود- وقد أسس مذهبهم عبدالله بن سبأ اليهودي الذي أظهر حب أهل البيت نفاقًا، حتى يتمكن من هدم الإسلام عن طريق تقديس الأئمة.. والغريب في الأمر انتظارهم له على باب السرداب، وهم يصيحون به أن يخرج إليهم قائلين: "اخرج يا مولانا"، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم. ولقد أحسن من قال:

    ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا

    فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا

    ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل، وسببا للنيل من الإسلام!!



    .. وأصبحت نظرية المهدي تمثل جزءًا هاما من الممارسات العملية في الفكر الشيعي المعاصر، وما دعوة ولاية الفقيه التي ينادي بها فريق من الشيعة إلا جزء من هذه الممارسة، حيث يقوم الفقيه العالم، مقام المهدي الغائب، إلى أن يؤذن له بالظهور. وبسبب الاجتهاد المفتوح عند الشيعة، فقد تعددت وجهات النظر في موضوع المهدي والمهدوية، لدرجة أن أحد الكتاب من الشيعة المعاصرين وهو أحمد الكاتب أنكر تماما ولادة محمد بن الحسن العسكري (المهدي)، وقد أصدر في ذلك كتابا بعنوان (تطور الفكر السياسي الشيعي.. من الشورى.. إلى ولاية الفقيه).. تناول فيه قضايا مثيرة للجدل في موضوع (المهدي المنتظر)[9].



    المهدي المنتظر من الناحية الشرعية والأحاديث النبوية المتواترة:

    وكعادة أي دراسة؛ يذيل المقال بالطرح الصائب بعد ذكر الشبه والعورات والثغرات التي ميزت قضية معينة، ولكنني آثرت في هذا المقال التمهيد بالسليم من الأحاديث المتواترة باعتبارها ضوابط لدفع تحريفات وتخريفات ميزت التاريخ العقدي والسياسي للغرب الإسلامي، وما زالت تميز الساحة الدولية بدءًا من الشيعة الروافض إلى العقيدة الصوفية المخذلة والمخدرة، إلى المسيح المنتظر الذي يعتقد فيه اليهود ومن ورائهم الرئيس الأمريكي (خدعة "هرمجدون" الحرب النووية التي يتزعمها مسيحهم الدجال لإبادة الأغيار؛ ومن ثم ينعم اليهود بالراحة التامة، ولا يبقى في الوجود غيرهم!).

    فعقيدة المهدي المنتظر عقيدة سنية صحيحة، ثبتت بشارتها عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديث متواترة صحيحة مع كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب..



    ولندع المراجع الشيعية -بثغراتها العقدية- جانبا لنقف أمام المصادر السنية، الحافلة بأخبار المهدي المنتظر.. فأهل السنة والجماعة يؤمنون: أن الله يؤيد دينه وعباده في آخر الزمان برجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه، أي (محمد بن عبدالله)، ويؤمنون أنه يولد في آخر الزمان وليس في أول الزمان، وتتزامن بداية دعوته مع نزول المسيح عليه السلام. وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى عن هذه الأحاديث: الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك أو شُبهة.



    أولا: ثبوت ظهور المهدي في آخر الزمان:

    في آخر الزمان يخرج رجل من أهل البيت يؤيد الله به الدين، ويملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا وظلما، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء مطرها، ويعطى المال بغير عدد، ومن الأدلة على إثبات ظهور المهدي أخر الزمان ما يلي:

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا"[10].

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"[11].

    كما جاء في المسند قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"، وفيه: "المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ويملك سبع سنين"[12].



    وعند مسلم تنبيه على المهدي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"[13].



    وقد ذكر أهل العلم أن هذا الرجل الذي يتقدم ويصلي بعيسى هو المهدي ثم يتولى بعد ذلك عيسى ابن مريم -صلوات الله وسلامه عليه- زمام الأمور، وفي رواية ذكر ابن القيم أن إسنادها جيد: "فيقول أميرهم المهدي".

    قال ابن كثير رحمه الله: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم.

    1- اسمه: روى الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ [أي يطابق] اسمه اسمي[14].

    فهذا الرجل اسمه كاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون اسمه محمدَ أو أحمد بن عبدالله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"، وفي رواية: "يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" أخرجه أبو داود في باب ذكر المهدي (4281) وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير (5180).

    قال ابن كثير رحمه الله في المهدي: (وهو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه) [النهاية في الفتن والملاحم (1/55)].



    2- وصفته الواردة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي مني -أي من نسلي-، أجلى الجبهة -أي منحسر الشعر من مقدمة رأسه، أو واسع الجبهة-، أقنى الأنف -أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وحدب في وسطه-، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين)[15].



    3- مكان خروجه: يكون ظهور المهدي من قبل المشرق، فقد جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم"، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: "فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة.



    موقف المؤرخين من فكرة المهدي المنتظر:

    كانت المهدوية مختلطة بالصراعات والمساجلات بين مختلف المؤرخين؛ منهم من أنكر ظهوره ومنهم من بالغ في إضفاء صفة المهدي المنتظر على بعض سلاطين الدولة المغربية، ومنهم من شكك فيه:



    - الموقف الرافض: ويمثله أحمد أمين (الذي اهتم بتاريخ الإسلام مع افتقاره لآليات الجرح والتعديل والصناعة الحديثية! التي تمكنه من جمع الأحاديث والتمييز بين صحيحها وحسنها وغريبها..) فقد ربط قضية المهدي بالأسباب السياسية التي أدت إلى وضع الأحاديث، وأضاف أن أكثر الأطروحات شيوعا -من وجهة نظره- هي الأطروحة القائلة بأن المهدي إن هو إلا عيسى الذي سيظهر في آخر الزمان لمقاتلة المسيح الدجال، وإعادة النظام والعدل إلى العالم[16]، انطلاقا من الحديث الذي احتج به: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" رواه ابن ماجه، وهذا الحديث كما قال علماء الحديث ضعيف، وقال فيه الذهبي منكر، وقال أبو الحاكم في أحد رجاله مجهول.. واستطرد بعض العلماء المعاصرين بتفسير افتراضي -على حد قوله- من أن المقصود: أي لا مهدي كاملا ومعصوما إلا عيسى عليه الصلاة والسلام.



    - الموقف المشكك: ويمثله ابن خلدون الذي لم يجزم بنفي عقيدة المهدي المنتظر، ولكنه استبعدها وناقش عددًا من أحاديثها، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها وتواترت، وانتقدوه بأنه مؤرخ وليس من أهل الاختصاص في الحديث حتى يحق له الجرح والتعديل والاجتهاد.. قال في مقدمته: "اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته"[17].



    ثم استعرض ابن خلدون ثمانية وعشرين حديثاً وردت في المهدي وناقش في بعض رجال أسانيدها، وختم مناقشاته بقوله: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه"[18].



    ثم استعرض بعض آراء المتصوفة في المهدي المنتظر، وختم مناقشته لها بقوله: "والحق الذي ينبغي أن يتقرب لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه حتى يظهر أمر الله فيه، وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك، وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها، وهم عصائب متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة. فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره ودعوته إلا بأن يكون منهم ويؤلف الله بين قلوبهم في أتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته وحمل الناس عليها. وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت..إلخ"[19].



    - الموقف المغالي: يمثله كل من مؤرخي الشيعة -خلافا لأهل السنة- وعلمائهم؛ الذين يعتقدون بأنه هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري المولود سنة 255هـ الغائب المنتظر -وهو شخصية موهومة لا حقيقة لها لأن الحسن العسكري لم يكن له عقب- ذهبت به أمه إلى سامراء فدخل سردابًا ولم يخرج منه؛ ومد الله تعالى في عمره كما مد في عمر الخضر عليه السلام فهو حيٌّ غائب حتى يأذن الله له بالظهور.



    كما يمثله مؤرخو العصور الوسطى في المغرب الذين تأصلت فيهم العقيدة الشيعية في أقات متقطعة (الشيعة العبيدية، والعقيدة التومرتية..)، وأبرز هؤلاء أبو بكر بن علي الصنهاجي المكني بالبيذق، وهو من التلاميذ المنبهرين بشخصية ابن تومرت إلى حد القداسة[20] في كتابه "أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين" دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط 1971م، فهو لا يذكر اسمه إلا ويعقبه برضي الله عنه، أو أنه يكتفي فقط بنعته بالمعصوم أو سيدنا المعصوم رضي الله عنه[21]، كما يصفه في مواضع أخرى من كتابه بالإمام والمهدي المنتظر مرفوقة ببعض الخوارق العجيبة![22].. والقائمة طويلة، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!



    الاتجاهات الفكرية والعقدية التي سادت في تاريخ الغرب الإسلامي إبان العصور الوسطى:

    يعد المهدي بن تومرت من أبرز دعاة المهدوية في المغرب، لكن قبل الخوض في عقيدته، لا بأس بإطلالة لأهم المدارس الفكرية والعقدية التي ميزت تاريخ المغرب والتي مهدت الأرضية والساحة لمثل هذه الأفكار أن تنبت -بشكل معوج بعيدًا عن أي تفكير سليم- كالفطريات وتتناسل كالفئران.. فمن أهم الدراسات النموذجية التي وقفت عليها في هذا الباب؛ تلك الدراسة التي أنجزها الدكتور علي محمد الصلابي بعنوان "صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإسلامي: دولة الموحدين"، بالإضافة إلى دراسة الأستاذ المغربي عبدالإله لمليح "تاريخ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب"، والمؤرخ محمد عبدالله عنان في دراسته القيمة عصر المرابطين الموحدين في المغرب الأندلس، الطبعة1964...



    1- الاتجاه السني ويمثله دولتا الأغالبة والمرابطين والدولة الزيرية الصنهاجية في آخر عمرها:

    أ- دولة الأغالبة: هي دولة امتدت مدة حكمها من سنة 184 إلى سنة 296هـ)؛ كانت في بداية حكمها تابعة للخلافة العباسية (هارون الرشيد رحمه الله).. لكن سرعان ما حصلت على استقلال اسمي شريطة أن تدفع للخلافة إتاوة من المال كل سنة..، وفي أواخر حكمها دب فيها الانقسام والتشرذم مما ساعد الدولة العبيدية على استغلال الفرصة للانقضاض عليها.. يقول (ول ديورانت): "الحضارة نهر ذو ضفتين، يمتلئ النهر أحيانا بالدماء والظلم، ولكننا نجد على الضفتين في الوقت ذاته أناسا يبنون الحضارة، لكن المؤرخون متشائمون لأنهم يتجاهلون الضفاف ويتعلقون بالنهر.."، فبالرغم من هذا الانقسام السياسي عرفت الدولة الأغلبية توطيدًا للسنة ونشرها في المغرب وصقلية..



    ب- دولة المرابطين (451-541هـ): ظهرت نواتها وبذرتها الأولى على ضفاف نهر السنغال في جنوب بلاد المغرب الأقصى بزعامة الفقيه عبدالله بن ياسين، والأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي ثم يحيى بن عمر اللمتوني، وتوسعت حتى ضمت المغرب كله والأندلس في عصر القائد الأمير يوسف بن تاشفين، وكانت دولة المرابطين على أسس إسلامية سليمة، إذ نهجت نهج أهل السنة والجماعة، ولم تتأثر بأي نزعة دينية أخرى، وكان من أهم الأسس التي تبنتها "الجهاد في سبيل الله" (تمثل في انتصارهم على النصارى في معركة الزلاقة سنة 479هـ)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتزام أحكام الدين في فروض الزكاة والأعشار، وكل أمور الدولة (انظر: قيام دولة المرابطين لحسن محمود ص166).



    جـ- الدولة الزيرية الصنهاجية: قد اتبعت النهج السني في آخر عمرها وذلك حينما أعلن المعز بن باديس (406/453هـ) انفصاله عن الدولة العبيدية في سنة 440هـ إذ خلع طاعتهم، وأخذ بمذهب أهل السنة (انظر: ابن خلدون 6/159)، وبهذا تحول اتجاه هذه الدولة إلى الاتجاه السني، بعد أن كان اتجاهها رافضيا (نفس المصدر السابق)..



    2- الاتجاه الخارجي: ويمثله إمارتا المدراريين (140-347هـ)، والرستميين (144-296هـ):

    أ- إمارة بني مدرار: وقد قامت في سجلماسة جنوب المغرب الأقصى سنة 140هـ، على يد عيسى بن يزيد المكناسي الذي كان يدين بالمذهب الصفري أحد الفرق الكبرى من فرق الخوارج.

    ب- دولة الرستميين: التي كانت تنهج المذهب الإباضي، فقد أسسها في بلاد المغرب الأوسط عبدالرحمن بن رستم (144/171هـ) سنة 144هـ، حيث اتخذ مدينة تاهرت حاضرة له. (المغرب الكبير 3/583).



    3- الاتجاه الرافضي وتمثله دولة العبيديين:

    وهذا الاتجاه كان آخر المذاهب الفكرية دخولاً لبلاد المغرب إذ إن الدولة العبيدية التي نشرت هذا المذهب هناك لم تقم في بلاد المغرب الأدنى إلا في سنة 296هـ.

    ومع أن الدولة العبيدية قد تمكنت من القضاء على الأغالبة، والرستميين، والمدراريين، والأدارسة فاستطاعت بذلك -إلى حد ما- أن تبسط سلطانها السياسي على معظم أقاليم بلاد المغرب، إلا أنها لم تتمكن من فرض مذهبها الديني على أهالي تلك الديار، وذلك لأن الناس لم يتقبلوا أفكار العبيديين لما فيها من غلو وشطط لم يألفه سكان تلك الديار، بل إنهم تطلعوا إلى خلافة سنية جديدة قامت في الأندلس هي الخلافة الأموية بالأندلس كما أن أهل السنة قاموا بمقاومة المد الرافضي العبيدي بكل ما يملكون وهذا مما جعل الروافض يرحلون إلى مصر عام 362هـ.



    فكرة المهدي المنتظر في تاريخ المغرب صنيعة الاتجاهات الفكرية السابقة والظروف السياسية المتعاقبة:

    1- الأدارسة: من خلال تصفح مجموعة من المصادر التاريخية التي تناولت الحقبة الإدريسية لا نعثر على إشارة لفكرة المهدي المنتظر.. لكن ما يمكن الإشارة إليه أن إدريس الأول عندما استقبلته قبيلة "أوربة" أحاطته بهالة من التقديس والتشريف؛ وذلك لما راج عن أصله الشريف..



    2- الدولة العبيدية: سلالة شيعية حكمت في تونس، ومصر، والشام وعلى مراحل في الجزائر، والمغرب والجزيرة العربية، سنوات 909/1171م.

    ويستمد الفاطميون لقبهم -على حد زعمهم- من فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يدعون انتسابهم لأهل البيت عن طريق الإمام السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، ومنه جاءت الطائفة الإسماعيلية.

    ويرى أغلب المؤرخين اليوم أن نسبهم كان منحولاً، ويفضل أغلب علماء السنة أن يطلقَ عليهم لقب "العبيديين" نسبة إلى جدهم عبيدالله بن القداح.

    مؤسس السلالة عبيدالله المهدي (909-934م) اعتمد في دعوته الجديدة على أبي عبدالله الشيعي، الذي كان يدعي أنه المهدي المنتظر، نجح صاحب دعوته في القضاء على دولة الأغالبة وحمله إلى السلطة.

    استولى العبيديون على تونس، وليبيا وشرقي الجزائر ثم صقلية التي بقيت في حكمهم حتى 1061م. وفي سنة 969م استولى المعز (953-975 م) على مصر وقرر بناء عاصمة جديدة لدولته هي القاهرة.

    دخل الفاطميون في صراع مع العباسيين للسيطرة على الشام، كما تنازعوا السيطرة على شمال إفريقية مع الأمويين حكام الأندلس، وتمكنوا من إخضاع الحجاز والحرمين ما بين سنتي 965 -1070م.

    ازدهرت التجارة ونما اقتصاد البلاد ونشطت حركة العمران في أثناء عهد العزيز (965 - 996م)، ثم الحاكم (996 - 1021م) الذي كان متهورًا ومتطرفًا في أفكاره إلى أقصى حد، عرفت البلاد في عهده اضطرابات كثيرة، وبعد مماته انشقت عن الإسماعيلية طائفة من الشيعة عرفت باسم الدروز.

    وبعد حكم المستنصر (1036 - 1094م) الطويل انشق الإسماعيليون مرة أخرى إلى طائفتي النزارية والمستعلية، وتولى الحكمَ من بعده خلفاء أطفال. ومع حكم الحافظ (1131 - 1149م) تقلصت حدود الدولة إلى مصر فقط.

    آخر الخلفاء وقع تحت سيطرة القادة العسكريين الأيوبيين، فقام صلاح الدين الأيوبي الذي تولى الوزارة منذ 1169م، بالقضاء على الدولة الفاطمية نهائيا سنة 1171م، وعادت مصر بعدها إلى المذهب السني[23].



    3- الدولة المرابطية: إن ما يلفت النظر في المرابطين أنهم لم يحاولوا في أي وقت أن يفرضوا أنفسهم باسم عصبيتهم الصنهاجية -على حد تعبير ابن خلدون- بل جاءوا قبل كل شيء لنشر الإسلام الصحيح بعيدًا عن الخرافات التي روج لها العبيديون الشيعة الإسماعيليون.. ومن ثم تحلوا باسم المرابطين؛ أي المؤمنين المنقطعين للجهاد وتعلم العلم الشرعي البعيد عن كل أشكال البدع الحقيقية والإضافية.. وخاصة هذه الأخيرة التي تجلت في فكرة المهدي المنتظر التي روج لها العبيديون؛ فتم لَيُّ أعناق النصوص الحديثية المتواترة الصحيحة لخدمة أغراضهم السياسية..

    بالفعل؛ كانت الدولة السنية التي تركت بصماتها في تاريخ المغرب؛ لكن لم تخل هي أيضًا من فجوة عقدية؛ فالمهدي بتعبير هذه المرحلة يعني عند البرابرة الرجل المناسب الذي يستطيع أن ينجز مشاريع سياسية كبرى. وذلك كان شأن عبدالله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية، فهل تلقب بهذا الاسم في حياته؟

    الراجح أنه لم يفعل ذلك، وأن ذلك كان من عمل كتاب الأخبار بعد وفاته لإبراز الأثر الحاسم الذي أداه في جمع صنهاجيي الصحراء وتوحيدهم للاستيلاء على السلطة في المغرب، غير أن ابن ياسين لم يكن يحيط نفسه بأية أسرار، وكان يفضل أن يبدو فقيها مالكي المذهب وحاكما عادلا[24].



    4- الدولة الموحدية: والمشكلة أن كثيرًا من الساسة يحاول ركوب خيل الشرعيات ولي أعناق الآثار والنصوص الدينية المروية؛ يستغلونها من أجل حماية شرعيتهم، والقول بأنهم تجسيد حي لإرادة الله، وأنهم يتصلون بقوة علوية تجعل قدرتهم غير قابلة للمقاومة، فهي من الله مباشرة، ولذلك فإننا نجد أغلب المتصفين بشيء من هذه الصفات الغيبية في السياسة هم أهل بطش ودموية في أثناء الحكم، بل ربما يشعرون براحة ضمير داخلية لأنهم أمناء على إرادة الله.

    وابن تومرت هو واحد من الذين تبنّوا هذه الفكرة في أوائل القرن الخامس الهجري في بلاد المغرب الأقصى، حيث تمكّن هذا الرجل من إقناع المجتمع البَدَوي بصحّة دعواه عن طريق القيام بثورة تحريضية تمكن بفضلها من إسقاط دولة المرابطين السنية وإنشاء دولة جديدة قامت على أنقاضها سُمّيت دولة الموحّدين..

    لقد استخدم ابن تومرت الأسلوب التلفيقي وسيلة مباشرة لإثبات فكره النظري على أرض الواقع، ومع تنوع المصادر والمناهل التي استقى منها ابن تومرت آراءه، ووضوح الطابع الانتقائي -إن لم نقل التلفيقي- الذي يطبع تلك الآراء، إلاّ أنه لم يأت بجديد، ولم يمتلك فلسفة خاصة في نظرته إلى المبادئ التي حاول أن يضع لها حلولاً، فإن مجمل آرائه هي مجموعة منتقاة من فلسفة الفرق الكلامية المختلفة والمتناقضة أحيانا، فتجد بينها آراء اعتزالية وبجانبها أفكار أشعرية تأويلية وشيعية، على أن تنوّع مصادر علمه أعطى لعقيدته الاستهجان المذهبي! فقد وافق ابن تومرت الأشعرية في مسألة تأويل الأسماء والصفات ومسائل أخرى كثيرة دفعت بابن خلدون إلى القول: "وحملهم (أي قوله) على القول بالتأويل، والأخذ بمذهب الأشعرية في كافة العقائد"[25].. فليس غريبًا لمن كان هدفه الرياسة أن يسلك مسلكا ممجوجًا إذا خاف البطش وإيقاع الفعل به، فخلّط في كلامه فينسب إلى الجنون[26]. وقد وصفه بعض من ترجم له بأنه: (كان صارماً سفاكاً للدماء؛ يستبيح دم أعدائه ودم أصدقائه إذا لم يصدعوا في الحال بأمره، وكان إذا أراد المبالغة في عتاب أحد أمر بدفنه حياً، وكان يذكي حماسة جنده بما يعدهم به من عظيم الثواب في جنات الخلد التي تنتظرهم إذا استشهدوا في سبيل الدين الصحيح، وكان يلقنهم صلاة صغيرة يتلونها في الحرب في الذهاب والوقوف والقتال اقتصادًا في الوقت، ولكي لا يضطروا إلى الركوع والسجود كما يحدث في الصلوات المعتادة[27].

    ويتضح من خلال ذلك أن ابن تومرت كان يحاول استغلال سذاجة المجتمع البربري القائم، وبدائية معارفه العلمية والدينية التي وجد فيها مرتعاً خصباً لتمرير سياسة الإصلاح الديني، مستهدفاً التغيير السياسي لضعضعة دولة المرابطين.



    المهدي المنتظر.. حجج واهية.. وردود مفحمة للعلماء:

    أ- عدم ورود ذكره في الصحيحين:

    للرد على هذه الشبهة يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "إن البخاري ومسلمًا لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما؛ كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها"[28].



    ب- تعدد من ادعى المهدوية:

    في هذا الباب يقول الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله: "من ادعى من المفتونين أنه المهدي المنتظر، ولم يخرج الدجال في زمانه، فإنه دجال كذاب، وكذلك من ادعى أنه المسيح ابن مريم، ولم يكن الدجال قد خرج قبله، فإنه دجال كاذب، وللمسيح ابن مريم علامتان لا تكونان لغيره من الناس،إحداهما: أنه يقتل الدجال كما تواترت بذلك الأحاديث، والثانية: أنه لا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات...) [إقامة البرهان في الرد على من أنكر المهدي والدجال].



    جـ- إنكار المهدي بالكلية:

    في هذا الباب قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله: "أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية -كما زعم ذلك بعض المتأخرين- فهو قول باطل؛ لأن أحاديث خروجه آخر الزمان.. قد تواترت تواترًا معنويا.. ولكن لا يجوز الجزم بأن فلانًا هو المهدي، إلا بعد توفر العلامات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثابتة، وأعظمها وأوضحها: يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا".



    خاتـمة:

    ومما يؤكد غموض هوية المهدي المنتظر، حتى عند أهل السنة؛ هو تكرر دعوات المهدوية هنا وهناك.. حتى كانت معظم الروايات التاريخية عن "المهدوية" في القرون الوسطى والمعاصرة، مرتبطة ومنبثقة من حركات سياسية ثورية تتصدى لرفع الظلم والاضطهاد، وتلتف حول زعيم من الزعماء، وعادة ما يدعي نسبه لأهل البيت (كما فعل ذلك ابن تومرت في العصر الوسيط، والجيلالي بن إدريس الزرهوني المعروف ببو حمارة إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب، وما يفعله الزعيم الروحي لجماعة العدل والإحسان المغربية عبدالسلام ياسين الصوفي مع أنه لم يدع المهدية ولكنه يشتغل بالرؤى والمنامات ويعلق عليها آمالا لتحقيق أهدافه السياسية، وأنه تتوفر فيه –على حد زعم مرشدهم- كل الشروط لتولي الخلافة الإسلامية!!..).



    إننا ننصح هؤلاء المغرر بهم أن يقرأوا ويدرسوا ما سطره علماءُ السلف من كتب تبين حقيقة المهدي المنتظر.. فبالعلم الصحيح تدحض كل الأباطيل ويتبين الحق.. والله تعالى يهدي إلى سواء السبيل!

    ــــــــــــــــــــــــــ

    [1] المغرب الإسلامي: أو الغرب الإسلامي تعبير تاريخي اتخذ أبعادًا جغرافية مختلفة ومتذبذبة حسب الأوقات التاريخية، فكان يدل على الجهة التي تغرب فيها الشمس، ثم أصبح يدل على المنطقة الواقعة غرب مصر من طرابلس شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبًا، إضافة إلى الأندلس التي كانت تعد جزءًا من المغرب إلى سقوط آخر مملكة إسلامية في الأندلس غرناطة سنة 1492م.

    [2] سارة الزعيمي ومنتصر حمادة: الزوايا تروج للمهدوية: المهدي المنتظر مغربي تيجاني اسمه أحمد؛ جريدة الأخبار السياسية العدد 35 -10 يونيو 2004، ص8.

    [3] وقد انتشر كتاب "أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة"، لمؤلف شيعي ذكر فيه علامات ظهور المهدي المنتظر في نظر الشيعة، وقرر فيه أن عودة المهدي قريبة جداً! وأننا نعيش الآن ما أسماه "عصر الظهور"، وأن أحمدي نجاد هو قائد قوات المهدي, وأن مرشد الثورة علي خامئني هو صاحب رايته، ثم سرد بعض الأحداث التي اعتبرها ممهدة لظهور المهدي. انظر "الراصد" عدد (39) www.alrased.net.

    [4] راجع الكتاب القيم : ظهور المهدي المنتظر 2016م بين الإقرار والإنكار لياسر حسين.

    [5] محمد الشويكي: المهدي المنتظر والخلافة الثانية على منهاج النبوة، الطبعة الأولى، بيت المقدس 1428هـ - 2007م.

    [6] أبو الحسن الندوي: تساؤلات وتحديات على طريق الدعوة، دار الكلمة 1997، بتصرف يسير، ص: 12-13.

    [7] نسبة إلى المهدي المنتظر؛ وقد آثرت استعمال هذا المصطلح لكثرة استعماله في أغلب الكتابات والمصادر والمراجع التي اطلعت عليها، وليس قدحا في الخليفة الراشد الذي لا يعلم وقت ظهوره نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وهناك من أطلق المهدية على المهدي الحقيقي وأطلق تسمية المهدوية على من ادعى أنه المهدي المنتظر، ومن أشهر هؤلاء أحمد أمين وله في كتابه: (المهدي والمهدوية).

    [8] ابن منظور، لسان العرب، مادة هدى.

    [9] ظاهرة دعاوي المهدي المنتظر وجذورها التاريخية: جريدة الشرق الأوسط: السبت 12 رمضان 1423هـ 16 نوفمبر 2002م العدد 8754.

    [10] أخرجه الحاكم (4/557،558) ووافقه الذهبي، وقال الألباني: هذا سند صحيح رجاله ثقات.

    [11] أخرجه البخاري (6/491) أحاديث الأنبياء، ومسلم (2/193) الإيمان.

    [12] رواه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6736).

    [13] أخرجه مسلم (2/193/194) الإيمان.

    [14] المسند (1/376) بسند صحيح .

    [15] رواه أبو داود (برقم 2485) و إسناده حسن.

    [16] أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج3 القاهرة، 1949، ص:235.

    [17] ابن خلدون: المقدمة، طبعة دار إحياء التراث العربي، ص311.

    [18] المصدر نفسه: ص322.

    [19] المصدر نفسه: ص327.

    [20] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يوالي ويعادي من أجله غير النبي صلى الله عليه وسلم.

    [21] أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط 1971م، ص11-12-13.

    [22] نفس المرجع ص:16.

    [23] للتوسع في الموضوع الرجوع إلى تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب؛ إدريس عماد الدين. تحقيق: محمد اليعلاوي.

    [24] ابن أبي زرع الفاسي: روض القرطاس الرباط، 1972م ص124 /محمد زنيبر: المغرب في العصر الوسيط: الدولة والمدينة والاقتصاد، منشورات كلية الآداب بالرباط 1999م. ص:136-137.

    [25] العبر: ج6 ص 226 وانظر الزركشي، أبي عبدالله محمد بن إبراهيم (ت894هـ)، تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية تحقيق: محمد ماضور، المكتبة العتيقة، تونس 1966م: ص 5.

    [26] ابن خلكان، الوفيات: ج6 ص 46.

    [27] يوسف أشباخ، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، ص195.

    [28] الشيخ المحدث أحمد شاكر: الباعث الحثيث: شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، دار الكتب العلمية، ص:25.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 10:07 am